بسم الله الرحمن الرحيم
لجابر بن حيان مكانته العلمية و بصمته الواضحة في مجال الكيمياء ؛ فهو الذي وضع الأسس العلمية للكيمياء الحديثة و المعاصرة ، و أضاف إلى المعرفة الإنسانية عنصراً جديداً افتقر إليه اليونان .... و ذلك في اعتماده على التجربة و البرهان الحسّيين و عدم الاكتفاء بالفرضيات و التحليلات الفكرية الغامضة التي كانت محور المعرفة عند اليونان .
فقد عمد جابر بن حيان في بحوثه إلى التجربة و آمن بها إيماناً عميقاً ... و كان يوصي تلاميذه بقوله : " و أول أوجب أن تعمل و تجري التجارب ؛ لأن من لا يعمل و يجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان ، فعليك يا بني بالتجربة لتصل إلى المعرفة "
و في هذا الموضوع أضع بين أيديكم بعض ما جاء في كتب جابر بن حيان و التي تدلل على نبوغ هذه الشخصية الفذة في عصر لم تتوافر فيه سبل التكنولوجيا ، بل سادت فيه الخرافة التي أحاطت بالكيمياء و ألبستها ثوب الشعوذة.... لتحرر على يدي أبي الكيمياء جـابر بـن حيـان.
فلنقرأ معاً هذه السطور .....
drawGradient()
[size=16]كتاب السموم و دفع مضارها :
يتكون هذا الكتاب من خمسة فصول بحث فيها أسماء السموم و أنواعها و تأثيراتها المختلفة على الإنسان و الحيوان و علامات التسمم و المبادرة إلى علاجه و الاحتراس من السموم .
حيث يقول جابر بن حيان " ..... قال بعضهم : أن السم جسم كوني ذو طبائع غالبة مفسدة لمزاج أبدان الحيوان .... و قال آخر: أنه مزاج طبائع غالبة لدواب الحيوان بذاته ... و قال بعضهم بأنه مزاج قوة غالب مفسد و مصلح .... فهذه آراء الناس في حده . فأما غرضنا في هذا الكتاب فهو الإبانة عن أسماء أنواع السموم ، و كنه أفعالها و كمية ما يسقى منها ، و معرفة الجيد من الرديء و منازل صورها و الأعضاء المخصوصة المقابلة لجوهرية خواصها .... و أذكر من ذلك السم الذي يكون نافذاً بفعله في سائر البدن و المهلك بجملته ..... "
و قد قسم السموم في هذا الكتاب إلى :
سموم حيوانية : كمرارة الأفاعي ، و مرارة النمر و لسان السلحفاة ، و الضفدع ،و العقارب .
سموم نباتية : كالأفيون و الحنظل و قرون السنبل و الشَيلَم ( و هو حب أسود يخالط الحنطة فيكسبها رداءة )
سموم حجرية : كالزئبق و الزرنيخ و الزاج و برادة الحديد و برادة الذهب .
و قد أسهب في وصف كل هذه السموم و أتى على عملها و أثرها في أجسام الحيوانات ...و يعد هذا الكتاب حلقة وصل بين الكيمياء و الطب .
[size=16]كتاب استقصاءات المعلِّم
و فيه يفصح جابر بن حيان قائلاً : " بأننا لم ندل إلاّ بما شاهدناه و لمسناه في صورة أكيدة و بعد الاختبار " ...
و نتيجة لاعتماد المنهجية الاختبارية تمكن جابر بن حيان من تحضير كثير من المركبات منها :
تحضير ( الملح القلوي ) أو حجر البوتاس الكاوي : يتناول جزئين اثنين من الرماد و جزءاً وحداً من الحجر الجيري أو الكلس الحي ، و يتم وضع الكل على مرشح مع الماء ... و بعد ذلك يلجأ إلى تبخير السائل الذي عبر جهاز الترشيح و الذي يستحيل إلى ترسب صلب يشكل الملح القلوي المراد تحضيره .
تحضير ملح الأمونيا : يسهل تحضير هذا الملح ـ كما يقول جابر بن حيان ـ باللجوء إلى التسخين بواسطة وعاء للتسامي الغازي ....
المزيج يحوي جزئين اثنين من السائل البولي البشري مع جزء من الملح العادي (كلوريد الصوديوم) ، بالإضافة إلى جزء و نصف الجزء من الفحم الدخاني الأسود .
و دور الفحم الناعم تجزئة المزيج بشكل أفضل .
تحضير ملح البول : يحضر هذا الملح من بقايا السائل البولي بعد تحلله و شوائه في أتون ( موقد كبير ) ، و بعدها يحل في الماء لعزله بالتبلور فيما بعد .
و هكذا يكون ملح البول الذي حضره جابر الترسبات الملحية للبول ، و يعني ذلك مزيجاً من الأملاح القلوية المحتوية على الفوسفات .... و فيما بعد يتم تحويل ملح البول إلى مركب الأمونياك الذي يتم الحصول عليه بتسخين السائل البولي مع الكلس الحي أو الحجر الجيري .
كتاب الكيمياء الجابرية :
يشتمل هذا الكتاب على مجموعة من المكتشفات ذات الشأن الكبير في ميدان العلوم الكيميائية ... أهمها :
الماء القوي أو الماء الملكي : ( بمقدور هذا المحلول حلّ الذهب و الفضة و الكبريت )
و هو عبارة عن حمض النيتريك إلى جانب حمض الهيدروكلوريك ( روح الملح ) ... إذ يستحيل على أي من الحمضين منفرداً حلّ الذهب .
و بهذا يكون جابر بن حيان أول من اكتشف حمض النيتريك و حمض الهيدروكلوريك مع ما لهما من أهمية في كيمياء المعادن .
حجر جهنم : ( قابل للإنصهار و شفاف كالبلّور ) .
سم السليماني : المعروف اليوم باسم كلوريد الزئبق .
كتاب نهاية الإتقان
يشتمل على وصف التجارب و العمليات وصفاً يليق استعماله و تطبيقه في عصرنا لدراسة الوسائل الكيماوية في المدارس التي تحتوي على غرفة لحفظ الأنبيق ( جهاز تقطير ) و الأنابيب و الأباريق ، و بقية أدوات الكيمياء ....
كتاب الرحمة :
تطرق فيه إلى تحويل المعادن إلى ذهب .
لقد أحاط علماء الصنعة من الكيميائيين الأقدمين جابر بن حيان بهالة من التقدير و الاحترام ... بينما يعتبره الكيميائيون المحدثون (عاصفة مدوية صاعقة) .... و يقول عنه الدكتور هوفر D.Hoefer مؤلف كتاب ( تاريخ الكيمياء ) : " بإمكاننا اعتبار المنزلة التي احتلها جابر بن حيان بالنسبة إلى تاريخ الكيمياء كِِمنزلة أبقراط أبي العلوم الطبية ...."
المراجع :ِِِِِ
مآثر العلماء ( المهندس أسامة حوحو )
العلوم عند العرب ( قدري حافظ طوقان )[/size][/size]